متلازمة هيرا: أسطورة عداء المرأة للمرأة

deception-zeus-hera

” لماذا تكره النساء النساء”  سؤال وجودي تجد أي امرأة نفسها أمامه سواء في حياتها الاجتماعية و العملية و حتى في عملها في النشاط المدني و الخيري الذي أساسه الايثار و التعاون, أذكر إني ألتقيت منذ أشهر بسيدة تعمل في احدى الهيئات الدولية و عند سؤالي لها عن سبب تدهور حال المرأة في ليبيا رغم اهتمام الهيئة بتمكينها كان ردها ” لو تكف النساء من الغيرة و العداء من بعضهن فستكون أحوالهن أفضل” ردها لم يكن مفاجيء فالصورة النمطية عن كراهية المرأة للمرأة و أنها السبب الرئيسي الذي يعيق تقدمها و سبب تعثر لمسيرتها لم تكن بالفكر الجديد. و بما أنني  أميل إلى تحليل الأشياء و تجريدها للوصول الى نتائج فقد قررت أن أبحث في مدى صحة هذه المقولة المتوارثة منذ عصور.

لماذا هيرا؟
هيرا آلهة الزواج والعائلة في الأساطير اليونانية, زوجة زيوس مثال للكمال جميلة و ذات دهاء وغيورة جداً, تزخر الأساطير بالمحن و الملاحم التي كانت بدايتها غيرة هيرا. و لم تنفك تكيد المكائد لتثبت أنها الأقوى و الأجدر و قد تجاوزت غيرتها  غيرة النساء المعتادة الى الغيرة من الآلهة الأخرى و التي أدت إحداها لتأجيج ملحمة حرب طروادة بعد فتنة “التفاحة الذهبية” أثر تفضيل أمير طروادة أفروديت عليها. هيرا أكثر الأمثلة وضوحاً على فكرة النمطية عن عداء المرأة و منافستها لقريناتها و لذلك اخترت تسمية هذه الحالة باسمها.

الأسطورة
إن الاعتقاد السائد بأن النساء أعداء بعضهن و أن مشاعر الكره لبعضهن شديدة الضراوة ليس بالجديد و لعدة قرون كانت الصورة النمطية  للعلاقات بين النساء على أنها صداقات سطحية أو واجبات اجتماعية لا أكثر, و كان الاعتقاد السائد بأن المرأة عاجزة عن الصداقة “الحقيقية” و ذلك حسب اعتقادهم لطبيعة المرأة الغيورة و حبها للتنافس و التفرد.
في اليونان القديم واحدة من أشهر الأساطير اليونانية هي التي تتحدث عن قصة التنافس بين آثينا و آراكني, التي زعمت كل منهما بأنها أبرع من في الارض في النسج و بعد مبارزة بينهما, و التي تمادت فيها اراكني على آثينا مما دفع بالأخيرة لتمزيق نسيج اراكني و مسختها لعنكبوت ضخمة هي و سلالتها كاملة لتكون عبرة لمن يعتبر.
أما أشهر ما قيل عن هذه الحالة فجاء على لسان الفيسلسوف آرثر شوبنهاور حيث وصف هذه العلاقة في كتابه عن النساء  ” أن الشعور بين أي رجلين غريبين لا يتعدى عن كونه اللامبالاة. أم عند النساء فإنه يصل إلى العداوة الحقيقية “. و هذا ما اتفق الناقد و الشاعر جيليت بيرغيس فيه مع شوبنهاور حين وصف علاقات النساء بالتالي : “معظم النساء  ترى خصم في الأخريات. بينما يرى معظم الرجال مشروع حلفاء في الرجال الآخرين ”
و كما تظهر بعض الدراسات الاجتماعية  أن العداوة ضد النساء لها جذور منذ مراحل الطفولة فيما يسمى بالتنمر عند الفتيات, فحين يميل الفتيان الى الإيذاء الجسدي  تجنح الفتيات الى الاعتداء اللفظي و الضغط النفسي كوسيلة للتنمر و مضايقة غيرهن من الفتيات.  في السعودية أكد تقرير لبرنامج الأمان الأسري تلقي خط مساندة الطفل شكاوى من الفتيات تتعلق بمشكلات في العلاقة بين الأقران تعادل 9 أضعاف شكاوى من الفتيان في العام 2014.
ووجدت دراسات أخرى أن هذه المشاعر العدائية قد تستمر حتى في مراحل متقدمة من العمر و خصوصا في جهات العمل و هو ما يعرف علمياً بمتلازمة “ملكة النحل” و هي “حالة تشعر فيها المرأة ذات السلطة أنها أفضل من غيرها من النساء و تبدأ بمعاملة غيرها من زميلات العمل باحتقار و قسوة”, و  تُرجح بعض البحوث أسباب هذه الظاهرة إلى الترسبات الثقافية و الاجتماعية, و التي تدفع المرأة لا تلقائياً الى الوقوف ضد مساندة بنات جنسها كوسيلة دفاع عن هذه الموروثات و كذلك للدفاع على مكانتها المكتسبة في العمل بالحد من المنافسات على الاماكن المخصصة للنساء.
أما في علم النفس فلا يوجد تعريف علمي لحالة كره المرأة للمرأة أو طرق لعلاجها, و من وجهة نظري أقرب تكييف لهذه الحالة هو ما عرفه سيجموند فرويد بالاسقاط النفسي وهي طريقة تتأخذها النفس لا شعورياً للهجوم على الآخرين حتى يتسنى للشخص الصاق عيوبه و رغباته المكبوتة في الاخرين و القاء أسباب فشله على الاخرين, و من المهم التنويه أن التعريف العلمي لحالات الغيرة و الاسقاط النفسي و الكره لم يفرق أبداً بين الجنسين.

الأسطورة بين الواقع و الخيال
في حين أنه من بين مئات الاساطير و القصص لم أتمكن من ايجاد الا أمثلة بسيطة عن غيرة النساء من نجاح النساء مقارنة بالرجال, أجدني استغرب كيف تمكنت أفكار ميسوجينية مثل أفكار شوبنهاور و روسو و غيرهم من أن ترسخ في الأذهان إلى العصر الحديث بدون تحليل أو تفنيد لها, و أن نردد بإيمان أن النساء تضمر عداء خفي لبنات جنسهن رغم عدم ثبوت هذه الحالة علمياً, لاشك بأن بعض النساء تغار من بعضهن و خصوصاً في الأمور العاطفية,  و لا شك أن بعضهن يحسدن الآخريات على جمالهن أو نجاحهن سواء الاجتماعي أو العملي و لكن السؤال هل هذه المشاعر محصورة فقط عند النساء؟ الأ يغار الرجال من نجاح الرجال؟ هل يحسد الرجال الرجل المشهور؟ هل معنى أن المرأة عدوة المرأة. إن الرجل صديق الرجل و سنده و نصيره؟  إذا كانت مشاعر الغيرة و التنافس و الحسد و الغبطة كلها مشاعر انسانية لا تفرق بين جنس أو نوع, لماذا متلازمة هيرا راسخة في الأذهان طول هذه السنوات؟
ببساطة إنها التنشئة و الموروث الاجتماعي الذي يجسد المرأة في صراع طويل مع قريناتها للحصول على رضا الرجل, هكذا و على طريقة هيرا نعيش في وهم جماعي بأن شغل المرأة الشاغل هو حياكة المكائد و تدبير الدسائس لبعضهن للظفر بمحبة الرجال. إن نشر هذه الأفكار و ترديدها من قبل النساء بدون علم و دراية بآثارها لا يساعد الا على تطبيع المشاعر السلبية بين النساء و تعزيز النفور فيما بينهن في الوقت الذي نحتاج إلى التآزر و التعاون لتحسين وضع المرأة في المجتمع لتساهم بدورها في تحريك عجلة التنمية. كم أتمنى أن تؤمن النساء بإن المرأة ليست عدوة المرأة بل عدوها هو الجهل و قصر النظر و الرضوخ للأفكار النمطية دون تفكير و تحليل. و أنها كالزهرة لا تنتظر رضا و قبول البساتين بها و لا تستأذن الشمس و السماء, فهي فقط تزهر و تنشر عبيرها و شذاها في الرياض و البساتين و تستمد جمالها و بهائها من كل الأزهار من حولها.